من القاهره الى نيويورك الاف الاميال والاف الافكار تجتاح مخيلتك وخاصه اذا كانت الرحله الاولى لك . بالاضافه الى ذالك الشعور بالضعف, فالانسان يكون فى اضعف حالاته عند السفر وخاصه الى المجهول .
انهى جميع اجراءات السفر كل شىء ميسر... انتظر فى صاله الركوب ... صاله انيقه مريحه . انظر من نافذه الصاله الى ارض المطار يصعقنى الحجم الهائل للطائره بوينج777ظللت اتأمل الحجم كيف ستحملها الريح ----اتأمل الاشياء حولى ...اتسائل هل سأراها مره اخرى ؟ ...ا سلم امرى الى الله ...اسير فى اتجاه الممر الانبوبى الموصل للطائره ينتاب الجميع الصمت ادخل الى مقعدى مباشره رقم 27بجوار النافذه ترتفع الطائره العملاقه تلتصق جبهتى بالنافذه احاول ان اختزل المنظر الاخير للبلاد. ىيتجه الوحش الى السماء يرتفع و يهوى القلب ها انا ذا ارحل واترك خلفى كل ايامى وذكرياتى حلوها ومرها ذكريات طفولتى وشبابى وكهولتى وهل سأعود اليها مره اخرى ؟ تتشبث عيناى ببقايا الارض ، وتتعالى دقات القلب بالنداء والرجاء(الله اكبر سبحان الذى سخر لنا هذا) يعلو النداء اكثر فانسى اين انا وتتضائل الاشياء والنفس وكل شىء حسى وملموس امام قدره الخالق المبدع.
اترك سماء القاهره تستقبل بدايه يومها بذالك الضياء المرافق للساعه العاشره صباحا... فوق الاسكندريه نجد أنفسنا فجأه ... عرفتها من تلك البحيرات الحمراء... ثم يظهر ذلك الخيط الرفيع الذى يفصل بين الارض والبحر.. يختفى سريعا .. نغرق فى اللون الازرق الذى يحيط بنا فى مدى لانهائى ... اغلق النافذه استسلم لنوبه من التسليم بقضاء الله فلا منجنى منه الا الى الله.
يدور داخلى ذالك الشريط المخزن فى ذاكره القلب... من تركتهم خلفى ...ومن تركونى بالسفر ... ومن انا ذاهبه اليهم ... وتظل نقطه تقاطع الحزن للفراق والفرح للقاء ثابته ... ذلك التقاطع تضىء اشاراته لحظه باخضر اللقاء، واخرى باحمر الفراق .اغلق عينى للهروب من قسوه الاشارات.
افتح عينى فجأه على حركه بجوارى تصطدم عينى بتلك القبعه السوداء المتدلى منها خصلات طويله امام الاذنين وكذالك الزى الاسود يحاول مرتديه ومعه المضيف وضع حقيبه بجوار حقيبتى اشعر بالغضب ... ها هو يحاول الاستيلاء على مكان لحقائبه ليس مخصص له ولكنها عاداتهم . اقوم لكى امنع ذلك وليضع حقيبته حيث يجلس وليحدث ما يحدث .... يدرك المضيف ما سيحدث ... فاشار بنظره سريعه الى بادج معلق على الزى الاسود للرجل كتب عليه انا يهودى ولست صهيهونى وايضا بادج معدنى يحمل علم فلسطين !! ... تتوقف الرغبه فى اشعال معركه مؤقتا ولكن للحقيقه لم يتوقف الغضب .
يضع الرجل حقائبه ويمضى دون ان ينظر الى احد-- بدأت اتابعه ينضم الى مجموعه اخرى يصبح عددهم اربعه--فهمت مغزى وجود عدد كبير من الاجانب يتحدثون مع شاب اسمر يرتدى الكوفيه الفلسطينيه ويحمل علم فلسطين واعتقد انهم ما يطلقون على انفسهم دعاه السلام .
اتابع خط سير الطائره من خلال الشاشه التلفزيونيه التى تشير الى وجودنا فوق اليونان... اتابع من
النافذه ... اجد جبال وخطوط واضحه وملامح للون الاخضرها انا ازور اليونان من علو شاهق .
لاشىء محدد ... مجرد خطوط باللون البنى بدرجاته والابيض .اتابع الرحله من النافذه تاره
والشاشه تاره اخرى.
استغرقت الرحله الى نيويورك حوالى 12ساعه. مرت الطائره فى اجواء ايطاليا ثم شمال بعض
الدول الاوروبيه ثم المحيط الاطلنطى، والذى اغرقنا فى اللون الازرق مره اخرى ولاول مره
اجدنى اخشى هذا اللون استغرقت الطائره ساعات لتجاوز المحيط ثم جرين لاند ثم الاتجاه الى
نيويورك ... تظهر هوية المدينه ... مجموعه من الجزر تبدو بها مربعات صغيره من اللون الاحمر
القانى تحيط بها مساحات واسعه من اللون الاخضر. يسيطر الوحش الطائر بجناحاه على سماء
نيويورك .... يقترب اكثر من الارض... الصمت يسود... اردد الشهاده عدة مرات... تلمس
عجلات العملاق الارض بسهوله مره واحده ثم سيطر على الممر. اثار ت سهولة النزول اعجاب
الجميع ... اشار لى جارى الايطالى بعلامه الاعجاب... صفق الجميع ... ازداد يقينى بقدرة الطيار
المصرى وقدرته على السيطره على الجو والارض ... وابتسمت عندما تذكرت علامه الدهشه
مرسومه على الوجوه عندما اصررت على الحجز على طائرات مصر للطيران.
تصل الطائره الى مطار جون كيندى فى الساعه الثالثه بعد الظهر حسب توقيت نيويورك فى حين
كانت القاهره فى العاشره مساء وظلت الشمس تضىء الكون لم تغرب خلال الاثنى عشره ساعه
مده الرحله.
-------- مطار جون كيندى --------
(فرحت قوى لما لقيت اسم المطار على اسم الرئيس جون كيندى مش عارفه ليه)
اخرج من الطائره تتعالى دقات قلبى ... اخشى مما سمعنا عن المعامله السيئه للمسلمين وخاصه
المحجبات .
يستقبلنا موظف يتكلم العربيه ... يطلب منا ملء استبيان ويطمئنا باننا سنجد مساعده فى الاسفل لمن
يرغب فى فى المساعدة .طبعا ساعدتنى
روزا (ابنتى) واعدت لى نموذج قبل سفرى نقلت بياناته.
المهم انتهت اجراءت الدخول بسلاسه غير متوقعه ، يا سلام ، وخاصه ان الطائره ايضا وصلت
قبل الموعد بنصف ساعه ... حتى الان الامور تسير احسن مما اتوقع ... ترتسم على وجهى
ابتسامه ثقه... اتجه ناحيه صاله استلام الحقائب استلم حقائبى من على السير احول الحصول على
احدى حاملات الحقائب .... ولكنها مثبته واكتشف انه للحصول عليها علي دفع خمسة دولارات
(عمار يا مصر الخدمه دى مجانيه) وطبعا كل ما كان معي من فئه المائه دولار .(فاكره انه ما
يصحش ان اشيل عمله اقل من كدا ماهى الميت جنيه عندنا يادوب تجيب حاجتين وخلصت ...
وادور على حد معاه فكه ميت دولار ابدا ... الكل يجاوب بالنفى كنت متغاظه ساعتها ازاى
ماحدش معاه فكه هى الميت دولا ر دى مبلغ ضخم ولا شويه كنت ناسيه ان الناس هنا بتتعامل
بcredit وبعدين عرفت انك ممكن تشترى بالمبلغ ده12كيلو لحمه من لحم الحلال
و15من اللحم البقرى العادى وممكن تحط عليه 200دولار وتشترى لاب توب 15بوصه
انتاج العام الماضى زى ما عملت انا وتشترى 4ام بى فور و 100كيلو موز وممكن
تشترى33باكت كانز اى نوع وكل باكت بيحتوى على12كانز احسبوها بقى مع نفسكم -- المهم
مانحسبهاش بقى بالجنيه احسبوها حسب دخل الفرد هنا طيب لو الاسعار دى بالجنيه فى مصر
ياعنى كيلو اللحمه بعشره جنيه كانت الناس قدرت تعيش ... المهم بعدين نتكلم فى دخل الفرد هنا
واسعار الشقق والعلاج وحاجات كتير خلينا فى اللى هاجره زى حمير مصر الغلبانه برضه ) و
قررت جر حقائبى وانا الوم نفسى كيف وانا المغرمه لدرجه الملل بتفاصيل الاشياء ان انس ان
يكون معى عملات صغيره .... تابعت رحله جر الحقائب .... وقتها تعاطفت مع حمير واحصنه
الجر.
------------------انتظار -------------------- ظللت اجر الحقائب فى اطول رحله جر وانا ما زلت احمل على وجهى ابتسامه الثقه .. كلها ثوانى
وساجد من ينتظرنى فانا انهيت كل الاجراءات ولا ينقصنى سوى ان اتخلص من الشعور الحميرى
الذى سيطر على.
توقفت قليلا لارد على اول اتصال هاتفى اتلقاه فى ارض الغربه لعله عبدالله (زوج ابنتى )
وخلاص تنتهى رحله الجر اسمع صوت صغيرتى فرحه بوصولى تطمنى ان لا اقلق فزوجها
موجود فعلا فى نيويورك ولكن المرور يمنعه من الوصول ولا اقلق ----
(مافيش مشكله هاشوف كرسى اجلس وفرصه اتامل وجوه المسافرين وانطبعات اللقاء بين
الجنسيات المختلفه لانها هوايتى من زمن بعيد)- بعد عناء اصل الى صالة الانتظار تسبقنى عينى
ابحث عن مقعد (يالهوى بالشرقاوى) لايوجد مقاعد نهائيا.
طبعا رفضت فكره الجلوس على الارض تقليدا لاخوانا الامريكان ليس تكبرا ولكن لاننى لااستطيع
لاسباب فنيه (عطل بالمفاصل).
ثم هانت نحن لسنا فى مصر اكيد المرور هنا حاجه تانيه دا حتى اسمه ترافك مش مرور .
يتصل بى من السعوديه ابنى يتحدث معى حتى يبث الطمانينه فى قلبى ويساعدنى على مرور الوقت
----الاتصالات تتوالى يطمئن قلبى بسماع صوت احبائى اشعر بالامان ها هو وحيدى كائنما
يمسك بيدى يبثنى حبه وحنانه على بعد الاف الاميال يظل الاتصال متداولا.
تاتينى رساله صوتيه ان رصيدى قد انتهى(يالهوى تانى انا ما اتصلتش بحد وبعدين هما اللى
بيكلمونى مش انا وبعدين انا شاحنه بمبلغ محترم ) بعد ذلك عرفت ان في حالة خدمة التجوال يتم الخصم من رصيد متلقي المكالمه ايضا.
ماذا سافعل الان وماذا لو لم يستطيعوا معرفه مكانى .... احاول تجاهل الموقف واحاول متابعه
القادمين ولحظات اللقاء... كثيرون مثلى ينتظرون ..... تمر ساعه ولا اثر ولا تليفون اتبادل
الوقوف على ساق لاريح الاخرى .... يزداد الالم ويصعد حتى ظهرى ... اسير قليلا تاسرنى
حقائبى .... فلا ابارح المكان كما لايبارحنى الالم والخوف من المجهول .... ها هى ساعه اخرى
تمر ولا يظهر احد ... يتمكن الالم من كل خليه فى جسدى .... يتقدم منى شاب اتعلق بالنظر الى
ابتسامته الخجوله لعله صديق لزوج ابنتى .... يسألنى بلهجه مصريه (حضرتك مستنيه حد بقالك
كتير واقفه ) رددت بايجاب .... عرض على الاتصال بمن انتظرهم خجلت وشكرته تركنى ورحل
الاانه ظل يراقبنى من على بعد. ساعه اخرى تمر تحت وطأه الاحساس بالغربه والالم .... تنهار
مقاومتي وينهار الامل فى اللقاء .... وينهار السد المنيع داخلى يعلن عن مقدمة الانهيار بهطول
امطار الدموع .... يقتربمنى رجل لم تشى ملامحه بجنسيه معينه مد يده بتليفونه عارضا على
استخدامه .... طوق نجاه يمده لى شخص غريب فى بلد غريب ودنيا اغرب .... اطمئن .... مازال
الطرف الاخر محتجزا فى المرور وانه يعرف مكانى ..... اعيد الهاتف الى صاحبه بامتنان ....
يتركنى وشبح ابتسامه على وجهه يقف فى الجهه المقابله يحمل لوحه عليها اسم لم ياتى صاحبه.
فى السادسه انتهت الازمه
البوست القادم عن انطباعى عن مدينه نيويورك